عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الغني الشاكر
الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو أحد العشرة الذين بشرهم الرسول ﷺ بالجنة وهو ثامن شخص دخل الإسلام يعني من أوائل الصحابة الذين أسملوا في مكة، فكان من الصحابة التجّار الذين هاجروا من مكة إلى المدينة اتقاءً لأذى مشركي قريش لهم كونهم اتبعوا الرسول ﷺ وأسملوا وآمنوا به، وعندما قرر الهجرة منعته قريش من أخذ ماله، فترك ماله كلّه وهاجر إلى المدينة.
بعد هجرة الصحابة إلى المدينة ، قام عليه الصلاة والسلام بحدث يعكس تعزيز الترابط الأخوي والاجتماعي في المجتمع المسلم فقام بالمآخاة بين المهاجرين (أهل مكة) والأنصار (أهل المدينة) فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنهم، وكان لسعد مال وزوجتان فعرض سعد على عبد الرحمن أن يأخذ نصف ماله وإحدى زوجتيه، فرفض عبد الرحمن وقال له مقولته الشهيرة: "بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلني على السوق"
انطلق عبد الرحمن بن عوف إلى السوق فاشترى أقطًا وسمنًا، وجعل يبيع ويشتري فلم تمضِ أيام حتى أصبح من أغنياء المدينة، ومع ذلك لم يكن رضي الله عنه عبدًا لماله، ومن أشهر مقولاته: "ما بعت دينًا ولا استقللت ربحًا"
يقول الإمام الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان "من كبار التجار الأخيار، وهو أحد من كان يضرب به المثل في السخاء والكرم"، فقد بلغ ماله في بعض الروايات أربعين ألف دينار، وفي رواية: أنه جهز جيش العسرة بكامله في عهد النبي ﷺ ويذكر أنه باع أرضًا له بأربعين ألف دينار، فتصدق بها كلها، وذكر أنه تصدق يومًا على أهل المدينة بخمسمائة فرس.
وروى ابن سعد أن عبد الرحمن بن عوف أُتي بطعام، وكان صائمًا، فلما وضع بين يديه بكى، وقال: "قُتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، وكان كفنُه إذا غُطّي رأسه بدت رجلاه، وإذا غُطّيت رجلاه بدا رأسه، وقُتل حمزة، وهو خير مني، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط، وقد خشيت أن نكون عُجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا"
وفي غزوة أحد، أُصيب عبد الرحمن بأكثر من عشرين جُرحًا، وسقطت إحدى أسنانه، وكان فيه رائحة جراح حتى آخر حياته. ويقول الذهبي إن عبد الرحمن بن عوف ترك من المال شيئًا عظيمًا حتى قُسمت تركته على أربع نساء، فنالت كل واحدة منهن ثمانين ألف دينار.
دروس من حياته رضي الله عنه
تعلّمني قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه معنى الغني الشاكر ولمَ كان الغني الشاكر خير من الفقير الصابر، في حديث ذهب أهل الدثور بالأجور... في رِوايةٍ لمُسلمٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه: «فرجَعَ فُقراءُ المهاجرينَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقالوا: سَمِعَ إخوانُنا أهلُ الأموالِ بما فعَلْنا، ففَعَلوا مِثلَه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ذلك فضْلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ»
كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أمينًا وصادقًا ولعل هذه الصفات التاجر المسلم في زمن تكاد تخلو فيه الأمانة -إلا من رحم الله- وما كان متذمّرًا من حاله بل ساعيًّا صابرًا متوكلًا على ربه ولم يكن المال في قلبه بل في يده.
أما عبقريته التجارية نتعلمها من قوله "ما بعت دينًا ولا استقللت ربحًا" ، وقد قيل له: كيف أصبحت غنياً وقد قدمت المدينة فقيراً؟ فذكر كلمة يقول عنها بعض العلماء: هي كنز في التجارة، فقال رضي الله عنه: (كنت إذا أعطيت أقل الربح رضيته؛ فبارك الله لي).
ماذا تستفيد من قصته؟